المرأة الجزائرية في مواجهة صعوبات تطبيق المدونة الجديدة للأسرة <BLOCKQUOTE>
بعد تعديل مدونة الأسرة قبل ثلاث سنوات، يستبد المرأة الجزائرية شعور بالندم إزاء ما كان لديها من تحمس شديد لتغيير الوضع. فما يبدو أنه جهد لا يرجى منه سوى الخير لحماية حقوق المرأة والطفل، قد تسبب من غير قصد في فقدان العديد من النساء لكل مكتسباتهن.
</BLOCKQUOTE>
تحقيق عشرية معمري من الجزائر العاصمة لمغاربية- 15/02/08
[Getty Images] العديد من النساء يفتقرن للإدراك الحقيقي لمضمون مدونة الأسرة الجديدة ونجاح العديد من الرجال في التحايل على الحماية التي تُوفرها المدونة ترك الأمهات والأطفال دون مكسب يُذكر.
|
عيناها اغرورقتا بالدموع والشحوب بادي على مُحيّاها يدها اليمنى ممدودة للمشاة حيث تنفتح وتُغلق بحركة آلية لكنها محتشمة. إنها السيدة حذفة بوتوبة البالغة 45 عاما التي منذ سنة خلت وهي تتلحّف الورق المقوى الملقى على قارعة الطريق في حي باب الواد الشعبي الجزائري. أولادها الثلاثة: نسيم، 10 سنوات وأمينة، 8 سنوات وإيناس، 5 سنوات يسكنون بمعيتها. إن قصتها ليست منفردة بتاتا. بعد زواج دام خمسة عشر سنة، انفصلت عن زوجها الذي تزوج من جديد فاضطرت إلى ترك المنزل ليلتقفها الشارع.
على غرار العديد من النساء الجزائريات، حدفة بوتوبة سقطت بين مخالب زوبعة الشعارات السياسية إثر تعديل مدونة الأسرة في 27 فبراير 2005. لقد قيل للمرأة آنذاك إنها لو أيدت إلغاء قانون 1984 المتعلق بالزواج فستتمكن هي وأولادها من التمتع أخيرا بما لهم من حقوق وحماية في حالة الطلاق. لكن الوعود مما سيأتي به القانون الجديد تأرجحت بين شعارات "المساواة بين الجنسين" من أجل "توثيق وحدة العائلة".
آنذاك، نوّهت جمعيات النساء بالقانون الجديد باعتباره نصرا محققا. وحتى اليوم ما زال الغموض المحيط بكُنه المدونة يترك الأمل شائعا بين النساء اللواتي اتخذن انطباعا إيجابيا عنه. فقد صرّحت مراقبة الضرائب حسيبة شكير، 36 عاما، لمغاربية "سمعت أن المُطلّقات يحق لهن امتلاك بيت الزوجية وأن الرجل لا يستطيع اتخاذ زوجة ثانية دون إعلامها أولا" وإن لم تكن قد قرأت القانون فعلا.
لكن الحقيقة بعيدة عن هذا التبسيط. العديد من النساء اليوم تعتقدن أن الشعارات التي تم التلويح بها منذ ثلاث سنوات ما هي إلا وهم. فاطمة بنبراهيم وهي محامية مشتهرة بعملها للنهوض بحقوق المرأة، قالت لمغاربية "قانون المدونة الجديد خلق انحلالا بدل حل المشاكل". وأوضحت "يريدون الابتكار" وأضافت أنه للأسف فعملهم أتى بعكس ما علّق عليه من آمال.
المحامي أحمد خبابة يوافقها الرأي حيث قال "القانون الجديد الذي يُرجى منه توثيق عرى العلاقات الأسرية، قد حوّل مستقبل آلاف الأسر إلى مأساة في وقت قصير". كان يُحيل إلى الفصل 14 من المدونة الذي يسمح للمرأة، في حالة استمرار النزاع العائلي، بالانفصال عن زوجها دون إذنه. وعلاوة على ذلك، المادة 72 تضمن للأم مبلغا كبيرا من المال لنفقتها ونفقة أولادها. خبابة يقول "إن توفير المسكن اللائق أو دفع الإيجار إذا تعذر ذلك، هي مسؤولية الأب."
وأضاف "العديد من النساء اللواتي اختزنّ النزاعات الزوجية لسنوات هرعن لطلب الطلاق فور الإعلان عن سريان القانون الجديد، معتقدات أن ذلك سينتهي بهن تحت سقف منزل مستقل"
لكن صدمة هؤلاء كانت كبيرة. يُوضح خبابة "يقوم الزوج بتقديم ورقة أجرته للقاضي المعني ليُثبت أن دخله غير كاف. في معظم القضايا القاضي يأمر بصرف 6000 دينار جزائري مع العلم أن متوسط استئجار شقة من غرفة واحدة في حي شعبي بالعاصمة تقترب من 10.000 دينار. في أحسن الحالات، تختار المرأة مكانا خربا للعيش فيه. وفي أسوأ الحالات، تعود لبيت أبيها أو يكون التشرد مصيرها".
[Getty Images] هرع العديد من النساء لاستصدار الطلاق لكنهن صُدمن من عجز الأزواج في النفقة عليهن لضعف دخلهم وعدم قدرتهم على توفير إيجار حتى شقة من غرفة واحدة.
|
مثل هذا السيناريو كان متوقعا حسب بنبراهيم والإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل تؤيد هذا التقييم. فهناك حقا 25.000 حالة طلاق في 2005. وبنهاية 2007 صعد العدد إلى 36.750.
يشكل الفصل 8 من المدونة جذر هذه المشاكل فهو يضع شروطا على اختيار الرجل في تعدد الزوجات. ولكن عدد مرات الزواج ليس مصدر القلق. المشكلة تتمثل في كيفية إتمام هذا الزواج.
اليوم ما على الزوج الراغب في تعدد الزوجات سوى تقديم طلب للقاضي المعني يحمل توقيع الزوجة السابقة. أي أنه يجب إعلام الزوجة بنية زوجها في التزوج من جديد.
بنبراهيم يقول "هذا الشرط دمّر كل شيء فالقليل من الرجال يطبقونه فعلا". وأضاف أن أغلب الحالات تتحول إلى "علاقات غير شرعية وأنواع الزواج التقليدية أو الدينية التي تحرم المرأة من جميع حقوقها في نظر القانون".
الرجل ابتكر عدد من السبل للتحايل على القانون. يقول المحامي موضحا "لقد ترافعت في قضايا فاز فيها الرجل بعقد قرانه على امرأة ثانية بشكل غير قانوني (بسبب مدوّنة الأسرة الجديدة). الرجل الفطن ينتظر اليوم الذي تحمل فيه زوجته الجديدة. ثم يتجه للقاضي ويطلب منه اعتماد زواجه حتى يتمكن من منح اسمه لمولوده المنتظر". وأمام هذا الأمر الواقع "يعتمد القاضي كل هذه الطلبات" فتجد الزوجة الأولى نفسها مشردة.
رئيس جمعية أنقذوا النساء في محنة، مريم بلالة تؤكد أنه "علينا العمل بعزم ثابت لإلغاء هذا القانون الأسري. المدونة الجديدة تُكرّس سقوط المرأة الجزائرية وأولادها".
[Getty Images] الرجال يتجهون للعلاقات غير الشرعية والزواج الديني لتفادي إخبار الزوجة الأولى برغبتهم في زوجة ثانية.
|
ومنذ سريان القانون الجديد، أصبحت حضانة الأولاد "وسيلة لتبرير نهاية غالبا ما تكون غير محمودة". ولأن الرجل أصبح غير مطالب بدفع إيجار زوجته لو خسرت حقوقها القانونية في حضانة الأولاد، فإن الأمهات يردن الحضانة من أجل العثور على سكن والرجل يريد حضانتهم حتى يمتنع عن دفع إيجار إضافي.
بلالة تقول إن المشاكل لا تتمثل في كيفية تطبيق القانون وإنما أيضا في نقص الفهم في بعض المناطق "حيث لم تتوصل أبدا بالنصوص المحددة للقانون"، والسلطات الجزائرية لا تنفي هذه الحالة.
<BLOCKQUOTE>
نوارا جعفر وزيرة الجزائر لشؤون الأسرة والمرأة قالت لمغاربية إن حالات الإخفاق في الزواج ليست مشكلة القانون "المجسد في مدونة الأسرة وإنما في تطبيق القانون الذي يجب منحه بعض الوقت". فقد أفادت دراسة قامت بها وزارة جعفر أن أزيد من 50% من النساء "يجهلن حقوقهن" وأنهن غير واعيات بمحتوى مدونة الأسرة الجديدة.
وخارج العاصمة "لم يسمعوا حتى عن تعديل هذا القانون" حسب سامية غرماز، أستاذة اللغة الانكليزية البالغة 42 عاما. وقالت "إنه العرف هو الذي يحكم الأسر".
إن الجهل بالقانون المدني قد أدى فعلا بالعديد من النساء للتزوج بمسلمين أجانب دون التوصل بالحماية القانونية اللازمة لهن. ما بيد الله تمين مستشار الاتصال بوزارة الشؤون الدينية قدم لمغاربية معلومات تُوضح أنه في عام 2006 وحدها وقعت نحو 3000 امرأة ضحية خداع في التزوج بالأئمة والشيوخ من الشرق الأوسط ومنطقة الخليج الذين زاروا الجزائر لفترة قصيرة.
وقال تمين "بعد غياب الزوج الملحوظ تتجه الضحية لقنصلية بلده. فتكتشف أن الشخص المبحوث عنه لا وجود له". "رجال الدين" المزعومون قدموا أسماء وهمية للدخول في زواج المتعة دون أين يُعثر لهم على أثر. ولأن الزواج لم يتم تسجيله رسميا لدى الدولة "فإن هؤلاء النساء وأولادهن يكتشفن أنهم عديموا الحقوق" حسب تمين.
</BLOCKQUOTE>
|
|